إبتدينا لعمرو دياب: إشراقة شمس الألبومات العربية من جديد

في الساحة الفنيّة جديد كل يوم، إصدارات، حفلات، ”ترند“ يأتي وآخر يزول، لكن ما نشهده منذ لحظة إصدار ألبوم ”إبتدينا“ للنجم المصري عمرو دياب هو حدث فني لا يمكننا إلا أن نصفه بإشراقة شمس الألبومات العربية من جديد. فقبل الخوض بأي تفاصيل، تمكّن عمرو دياب من إعادة إنتاج ذات الشعور، ذات البهجة، ذات الحالة الجماهيرية التي كانت ترافق صدور ألبوماته منذ سنين. 

نجح دياب في تجهيز أرضيّة من الشوق والترقّب على مدى الأشهر الماضية، إذ توقّف عن إصدار الأغاني المنفردة لفترة طويلة، وجعل الكل ينتظر جديده، ومن ثم فاجأ الجميع بخمسة عشر أغنية فيها الكثير من التجديد، الإختلاف، والتنوّع. 

الإنطباع العام الذي تولّد لدينا بعد سماع الألبوم هو أن عمرو دياب خلال العمل عليه كان يعيد تصوّر مسيرته الفنية كاملة، وكأنه غاص في هويّته الغنائية والعلامات المميّزة الكثيرة التي تركها في محطّاته الفنيّة المختلفة، وأعاد صياغتها كما يتخيّلها اليوم، بخبرته ونظرته الحالية. هذا المفهوم يربط أركان الألبوم المتنوعة بشكل لا يمكنك إلا أن تلاحظه وتُعجب بالذكاء الكامن خلفه: 

Photographed by: Kareem Nour

”خطفوني“ تفتتح الألبوم بحيويّة وجملة سهلة الحفظ، وسرعان ما تملأك بطاقة صيفية من خلال إيقاعاتها وجملتها اللحنيّة التي لا يمكن أن تولد إلا عندما يجتمع عمرو دياب وعمرو مصطفى. حضور جنا دياب وبدر الرملي في الأغنية منحها لمسة إضافية أيضاً.

”ياللّا“ تحمل أجواءاً إيقاعية مختلفة تجعلها أغنية الحفلات الصيفية بامتياز. تركيبتها الموسيقية فيها ابتكار واختلاف، كما وتمكّن عبدالله دياب من وضع بصمته على الأغنية من خلال صوته وإحساسه. 

”ماليش بديل“ تنتمي للّون الموسيقي الذي كان الجمهور متعطّش بشدّة لسماعه من عمرو دياب مجدداً، وهذا ما نراه في أصداء الأغنية من اللحظة الأولى لصدور الألبوم، فهي تذكّرنا بكلاسيكيات عمرو دياب الرومانسية، وتحمل موضوع جديد وجمل لحنيّة ممتعة. 

”إرجعلها“ من أجمل أغاني الألبوم، ليس فقط لفكرتها الجديدة تماماً من حيث الكلام، بل في شكلها الموسيقي ككل، إذ فيه تطوير لأغنية عمرو دياب الرومانسية. هنا لا يمكننا سوى أن نتخيّل كم الأشخاص الذين سيعودون لمن يحبونهم على وقع هذه الأغنية بعد فراق. 

أما إن كنت تنتظر أن تسمع عمرو دياب بشكل فيه الحداثة الموسيقية والتجرّد في عناصر التوزيع، كما هو الحال في التوجه الموسيقي عالمياً اليوم، ففي أغنية ”دايماً فاكر“ ستجد هذا التوجّه الفني، فيما يبقى حضور الغيتار بمثابة الرابط الذي يعيدك لأغاني لها بصمة لا تنسى في أرشيف دياب.

قمّة الغزل على أنغام الغيتار في ”شايف قمر“، التي قد تكون موجّهة لمحبّي عمرو دياب التقليديين أكثر من غيرهم، إلا أنها جاهزة أيضاً للرواج عبر منصّات التواصل الاجتماعي. 

”إبتدينا“ من أكثر الأغاني التي يمكنك من خلالها ملاحظة فكرة إعادة صياغة جزء من هويّة عمرو دياب وتقديمه بتصوّر جديد، وهنا قد تكون التركيبة اللحنيّة المختلفة هي أبرز عناصر التجديد. في التوزيع عناصر من المزيج الإسباني الذي ميّز عمرو دياب في حقبة معيّنة، نعود إليها حتى من خلال ”الماركة المسجلة“ لأداء عمرو. 

”يا بخته“ فيها موضوع جديد كلياً يجعلها قريبة من القلب، فهي تدعو الإنسان للاعتزاز بطيبته. أما من حيث الشكل الموسيقي فهي أول محطة في الألبوم تعيدنا للّون الشرقي التقليدي. 

”هلوّنهم“ من الأغاني اللافتة في الألبوم، ويبدو أن فكرتها المميّزة بدأت بجذب تفاعل المستمعين، ففي حياة كل منّا لحظة يستعيد فيها قوّته ويضع حداً لمن خانوه وباعوه وأساءوا إليه. 

يعيدنا عمرو إلى الرومانسية الخالصة في ”حبيبتي ملاك“، التي يميّزها جوّ الهدوء، والتنقّل في ألحانها، وكلامها الجميل.

شكل موسيقي جديد كليّاً يقدّمه عمرو دياب في أغنية ”بابا“، التي يبدو أنها تحظى بإعجاب كبير من قبل الجمهور ومن أول استماع. الأغنية فيها عناصر تجديد واضحة في الكلمات، اللحن، والتوزيع، ويمكن أن تتحوّل إلى ”Hit“ كبير في حال تم الاهتمام بها ترويجياً.

في ”ما تقلقش“ نرى عمرو العاشق الذي يريد فعل أي شيء لإسعاد حبيبته. في الأغنية ”نوستالجيا“ تعيدنا لبدايات عمرو دياب سواءاً من خلال أدائه أو الشكل الموسيقي. 

”خبر أبيض“ تختلف عن كافة أغاني الألبوم من خلال الطابع التوزيعي الذي أخذها نحو الموسيقى الإلكترونية، بطريقة تجمع ما بين حقبة الثمانينات ولمسة من التحديث والتطوير. 

قد تكون ”قفّلتي اللعبة“ هي الأقرب للنمط الذي اعتمده عمرو دياب في الأعوام الأخيرة، فهي أغنية إيقاعية عاطفية تصل بسهولة للمستمع، وتعتمد على التجديد في الكلمة للفت انتباه الجمهور.

”إشارات“ من الأغاني التي تحتاج للوقت كي يستوعبها المستمع، ففيها توليفة غير معتادة في لحنها وتوزيعها. هذا الإختلاف الجريء يتناسب مع موضوعها الجديد في طرحه، إذ منح الأغنية جوّ خاص لا يشبه غيره.

إطلاق الألبوم ترافق مع حملة ترويجية شاركت فيها كافة المنصّات الموسيقية مثل ”سپوتيفاي“، ”أپل ميوزك“، و“يوتيوب“، بشكل لم يحدث مع أي ألبوم عربي سابقاً، إذ باتت أغاني الألبوم حاضرة على كافة قوائم الإستماع على هذه المنصّات بشكل يتناسب مع أسلوب استهلاك الألبومات الحالي على مستوى العالم. أما حفل أمس في ”صول“ – مراسي فكان بمثابة حفل لإطلاق الألبوم مع الجمهور بأجمل طريقة ممكنة. 

بعد طول انتظار، منح عمرو دياب الجمهور ما كان ينتظره وأكثر. ”إبتدينا“ يعيد دياب إلى عرش لعبته الأساسية، الألبومات، ويؤسس لبداية مرحلة جديدة في مسيرته الفنية، مرحلة بمعايير عالمية أكثر من أي وقت مضى. 

Stars Café Magazine